سورة المرسلات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المرسلات)


        


{والمرسلات عُرْفاً * فالعاصفات عَصْفاً * والناشرات نَشْراً * فالفارقات فَرْقاً * فالملقيات ذِكْراً} إقسامٌ من الله عزِّ وجلَّ بطوائفَ من الملائكةِ أرسلهنَّ بأوامرِه فعصَفنَ في مُضيّهنَّ عصفَ الرياحِ مسارعةً في الامتثالِ بالأمرِ وبطوائفَ أُخرى نشرْن أجنحتَهنَّ في الجوِّ عندَ انحطاطِهنَّ بالوَحي أو نشرن الشرائعَ في الأقطارِ أو نشرن النفوسَ المَوْتى بالكُفرِ والجهلِ بَما أوحين ففرقن بينَ الحقِّ والباطل فألقينَ ذِكْراً إلى الأنبياءِ {عُذْراً} للمحقِّينَ {أَوْ نُذْراً} للمبطلينَ. ولعلَّ تقديمَ نشرِ الشرائعِ ونشرِ النفوسِ والفَرقِ على الإلتقاءِ للإيذان بكونها غايةً للإلقاء حقيقةً بالاعتناء بَها أو للإشعارِ بأنَّ كُلاً من الأوصافِ المذكورةِ مُستقلٌّ بالدلالةِ على استحقاق الطوائفِ الموصوفةِ بها للتفخيم والإجلال بالإقسام بهنَّ ولو جِىء بها على ترتيب الوقوعِ لربَّما فُهمَ أنَّ مجموعَ الإلقاءِ والنشرِ والفرقِ هو الموجبُ لما ذكِرَ من الاستحقاقِ أو إقسامٌ برياحِ عذابٍ أرسلهنَّ فعصفنَ وبرياحِ رحمةٍ نشرنَ السحابَ في الجوِّ ففرقنَ بينَهُ كقولِه تعالى: {وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً} أو بسحائبَ نشرنَ المواتَ ففرقنَ كلَّ صنفٍ منها عن سائرِ الأصنافِ بالشكلِ واللونِ وسائرِ الخواصَّ، أو فرقنَ بينَ من يشكرُ الله تعالَى وبينَ من يكفرُ بهِ فألقينَ ذكراً أما عُذراً للمعتذرينَ إلى الله تعالى بتوبتهم واستغفارِهم عند مشاهدتِهم أثارَ رحمتِه تعالى في الغيث ويشكرونها، وإما إنذارٌ للذين يكفرونَها وينسبونها إلى الأنواءِ، وإسنادُ إلقاءِ الذكرِ إليهنَّ لكونِهن سبباً في حصوله إذَا شكرت النعمة فيهن أو كفرت أو إقسامٌ بآياتِ القُرآنِ المرسلةِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فعصفنَ سائرَ الكتبِ بالنسخِ ونشرنَ آثارَ الهُدى من مشارق الأرضِ ومغاربِها وفرقنَ بين الحقِّ والباطلِ فألقينَ ذكرَ الحقِّ في أكناف العالمينَ والعُرفُ إمَّا نقيضُ النُّكرِ وانتصابُه على العلةِ أي أرسلنَا للإحسانِ والمعروفِ فإنَّ إرسالَ ملائكةِ العذابِ معروفٌ للأنبياءِ عليهم السَّلامُ والمؤمنينَ أو بمَعْنى المتابعةِ من عُرفِ الفرسِ وانتصابُه على الحاليَّةِ. والعُذرُ والنُّذرُ مصدرانِ من عَذَرَ إذا مَحَا الإساءةَ ومن أنذَرَ إِذَا خَوَّفَ وانتصابُهما على البدليةِ من ذِكراً، أو عَلى العِليِّةِ وقُرِئَا بالتثقيلِ.


{إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَوَاقِعٌ} جوابٌ للقسمِ أيْ إنَّ الذي تُوعدونَهُ من مجيءِ القيامةِ كائنٌ لا محالةَ {فَإِذَا النجوم طُمِسَتْ} مُحيتْ ومُحقتْ أو ذُهبَ بنورِها {وَإِذَا السماء فُرِجَتْ} صُدعتْ وفُتحتْ فكانتْ أبواباً. {وَإِذَا الجبال نُسِفَتْ} جُعلتْ كالحبِّ الذي يُنسفُ بالمنسفِ، ونحوهُ {وَبُسَّتِ الجبال بَسّاً} وقيل: أُخذتْ منْ مقارِّها بسرعةٍ من انتسفتَ الشيءَ إذا اختطفتَهُ. وقرئ: {طُمِّستْ} و{فُرِّجتْ} و{نُسِّفتْ} مشددةً {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} أي عُيِّنَ لهُم الوقتُ الذي يحضرونَ فيه للشهادةِ على أممهِم وذلكَ عند مجيَّتِه وحضورهِ إذْ لا يتعينُ لهم قيلَه أو بلغُوا الميقاتَ الذي كانُوا ينتظرونَهُ وقرئ: {وُقِّتتْ} على الأصلِ وبالتخفيفِ فيهما {لايّ يَوْمٍ أُجّلَتْ} مقدرٌ بقولٍ هُو جوابٌ لإذا في قولِه تعالى: {وَإِذَا الرسل أُقّتَتْ} أو حالٌ من مرفوعِ أقتت أي يقالُ لأيِّ يومٍ أُخرت الأمورُ المتعلقةُ بالرسل والمرادُ تعظيمُ ذلكَ اليومِ والتعجيبُ من هولِه. وقولُه تعالَى {لِيَوْمِ الفصل} بيانٌ ليومِ التأجيلِ وهو اليومُ الذي يُفصلُ فيهِ بينَ الخلائقِ {وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الفصل} مَا مبتدأٌ أدراكَ خبرُهُ أيْ أيُّ شيءٍ جعلَكَ دارياً ما هُو فوضعَ الضميرِ يومَ الفصلِ لزيادةِ تفظيعٍ وتهويلٍ على أنَّ مَا خبرٌ ويومُ الفصلِ مبتدأٌ لاَ بالعكسِ كما اختارَهُ سيبويِه لأنَّ محطَّ الفائدةِ بيانٌ كونِ يومِ الفصلِ أمراً بديعاً هائلاً لا يُقادرُ قَدُرُه ولا يُكتنُه كُنْههُ كَما يفيدُه خبريةُ ما لاَ بيانُ كونِ أمرٍ بديعٍ من الأمورِ يومَ الفصلِ كما يُفيده عكْسُه.


{وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لّلْمُكَذّبِينَ} أيْ في ذلكَ اليومِ الهائلِ. وويلٌ في الأصلِ مصدرٌ منصوبٌ سادٌّ مسدَّ فعلِه لكنْ عُدلَ بهِ إلى الرفعِ للدلالةِ على ثباتِ الهلاكِ ودوامِه للمدعوِّ عليهِ ويومئذٍ ظرفُه أو صفتُه.
{أَلَمْ نُهْلِكِ الأولين} كقومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ لتكذيبِهم بهِ. وقرئ: {نَهلكَ} بفتحِ النونِ من هلَكَه بمعنى أهلَكَه {ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الأخرين} بالرفعِ على ثمَّ نحنُ نتبعُهم الآخرينَ من نظرائِهم السالكينَ لمسلكِهم في الكفرِ والتكذيبِ وهُو وعيدٌ لكفارِ مكةَ. وقرئ: {ثمَّ سنُتبعُهم}، وقرئ: {نُتبعْهُم} بالجزمِ عطفاً على نُهلك فيكونُ المرادُ بالآخرينَ المتأخرينَ هلاكاً من المذكورينَ كقومِ لوطٍ وشعيبٍ ومُوسى عليهم السَّلامُ. {كذلك} مثلَ ذلكَ الفعلِ الفظيعِ {نَفْعَلُ بالمجرمين} أي سنَّتُنا جاريةٌ على ذلكَ {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ} أيْ يومُ إذْ أهلكناهُم {لّلْمُكَذّبِينَ} بآياتِ الله تعالَى وأنبيائِه وليسَ فيه تكريرٌ لما أنَّ الويلَ الأولَ لعذابِ الآخرةِ وَهَذا لعذابِ الدُّنيا {أَلَمْ نَخْلُقكُّم} أي ألم نُقدرْكُم {مّن مَّاء مَّهِينٍ} أي من نُطفةٍ قذرةٍ مهينةٍ {فجعلناه فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ} هو الرحمُ {إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ} إلى مقدارٍ معلومٍ من الوقتِ قدَّرهُ الله تعالَى للولادةِ تسعةَ أشهرٍ، أو أقلَّ منها أو أكثرَ {فَقَدَرْنَا} أي فقدرناهُ وقد قرئ مُشدداً أو {فقدرنا} على ذلكَ على أنَّ المرادَ بالقُدرةِ ما يقارنُ وجودَ المقدورِ الفعلِ {فَنِعْمَ القادرون} أي نحنُ.

1 | 2 | 3